قصة شعار اديداس وسر التسمية.. الانطلاق من بافاريا نحو العالمية
تحافظ شركة أديداس الألمانية على مكانتها في سوق الأدوات والملابس الرياضية منذ عقود طويلة، وتضاعف من قوتها بالحصول على عقود رعاية مع أبرز نجوم الرياضات الأكثر شعبية حول العالم مثل كرة القدم والسلة والتنس.
تضطر الشركة لإتفاق ملايين الدولارات لرعاية النجوم الكبار، وتقديم أقمصة وأدوات تحمل شعارها الشهير من أجل أن تظهر جنباً إلى جنب شعارات أشهر الأندية والمنتخبات حول العالم.
كما تتخصص اديداس بانتاج الكرات المستخدمة في منافسات دوري كرة السلة للمحترفين في أميركا NBA، وكرة كأس العالم لكرة القدم، ودوري أبطال أوروبا.
ونجحت الشركة في إبرام عقود طويلة الأمد مع أكثر الأندية شعبية حول العالم أمثال مانشستر يونايتد وريال مدريد ويوفنتوس وبايرن ميونيخ، وفي الوطن العربي مع النادي الأهلي المصري صاحب 4 ميدالية برونزية في كأس العالم للأندية و10 ألقاب في دوري أبطال إفريقيا.
كيف كانت بداية أديداس؟
يتساءل عشاق الرياضة عن بدايات أديداس، ومن أين جاءت فكرة تصميم الشعار ولماذا سُميت الشركة بهذا الاسم المميز، بعدما كانت تسمى في البداية باسم مؤسسها فقط؟
انطلقت فكرة إنشاء اديداس كشركة متخصصة في صناعة الأحذية الرياضية فقط ولا شيء غير ذلك في مقاطعة بافاريا الألمانية بواسطة الأخوين “أدولف داسلر ورودي داسلر” عقب عودة أدولف داسلر من الحرب العالمية الأولى عام 1924، لتصبح فيما بعد أكبر شركة متعددة الجنسيات والمليارات بقيمة مبيعات سنوية تصل لنحو 12 مليار دولار سنويًا.
أدولف داسلر المولود مطلع نوفمبر من عام 1900، بدأ تصميم بعض الأحذية الرياضية في منزل والدته ببلدة “هيرتسوجنيوراخ” الواقعة في بافاريا، بعدما أكمل عامه الـ 24.
توسع أدولف بعد أشهر قليلة بتصدير المنتجات إلى معظم القرى المجاورة من بلدته، حتى وصل بعضها إلى أهم سكان مقاطعة بافاريا، لتتداعى الفكرة ويتوسع المشروع بعدما اتفق مع شقيقه الأكبر “رودولف” على إنشاء مصنع متخصص في الأحذية الرياضية في عدة ألعاب.
المصنع الأول.. في غرفة الغسيل
تعتمد جميع الشركات العالمية على مناهج علمية وأسس هندسية قبل تصميم شعار ما لإحدى الحملات التجارية أو قبل تصميم شعار الشركة نفسها، لكن هذا لم يحدث مع شعار اديداس.
الشركة الألمانية الرائدة في صناعة الأدوات والملابس الرياضية لها قصة مختلفة عن جميع الشركات المختصة في المجال الرياضي، فعلامتها التجارية التي أصبحت أهم علامة تجارية رياضية، لا تحمل أي نوع من الدراسة التي قد يتوقعها المرء.
أدولف داسلر، بدأ العمل على صناعة الأحذية الرياضية يدويًا في غرفة غسيل والدته بعد عودته مباشرة من الحرب العالمية الأولى بدافع الحب والتعصب للرياضة.
كان يرى أن الرياضيين في ألمانيا بحاجة للمزيد من المساعدة والمساندة لممارسة ألعابهم المفضلة بأريحية أكبر دون صعوبات أو إصابات كما كان يحدث آنذاك.
وقام (داسلر) بتغيير تصاميم الحذاء الرياضي الاحترافي الأول عدة مرات قبل أن يحصل على الأداء الأمثل الذي وزعه على المناطق المجاورة من بلدته.
دقته اللامتناهية في تصميم الأحذية الرياضية جعلته يحظى بتقدير فوري من جميع الرياضيين الذين حرصوا على شراء منتجاته بصفة مستمرة لا سيما في بافاريا.
داسلر براذرز
بعد فترة قصيرة من نجاح منتجاته، قرر داسلر إطلاق مصنع لتوسيع دائرة عمله، وأطلق عليه اسم “داسلر براذرز” أي “الأخوان داسلر” للأحذية.
وهناك لعب رودولف، المولود في مارس من عام 1898، دورًا هامًا في نجاح المصنع، غير أن فكرة الخطوط الثلاثة السوداء في شعار اديداس لم تأت بعد تأسيس المصنع.
واكتفيا باستخدام شعار للشركة كان بنفس فكرة شعارات أندية كرة القدم، إذ خطط الشعار باللونين الأبيض والأسود، وكتب أعلاه كلمة داسلر، وفي قلبه وضع تصميم على هيئة جناحين معلق في وسطه حذاء.
التنس وأديداس
تصميم أحذية لاعبي كرة المضرب – التنس – فتحت أمام الأخوين المجتهدين الباب نحو الحصول على عقود عالية الجودة، وفي النهاية اكتسبا اعترافًا في جميع أنحاء العالم بعدما استخدم أحذيتهم العديد من المتنافسين في الألعاب الأولمبية عام 1928.
ومنذ ذلك الحين، لم يكن هناك مكان للذهاب إليه إلا شركة الأخوان داسلر، والتي توسعت لتلبي الطلب المتزايد بسرعة لكل الألعاب من جميع الرياضيين خاصةً لاعبي كرة القدم.
مع بداية ثلاثينيات القرن الماضي، استمر مصنع داسلر في تقديم الأحذية للرياضيين المشاركين في دورات الألعاب الأولمبية، ما لعب دورًا محوريًا في شهرته، خاصةً وأن كل مَن استخدم الأحذية في دورة الألعاب الأولمبية 1936 كان يحقق الفوز، وفي مقدمتهم حذاء “جيسي أوينز” الرباعي الفائز بالميدالية الذهبية وقتها.
بعدها قامت الحرب العالمية الثانية، واقتحم الأخوان داسلر العمل السياسي، بالانضمام إلى الحزب النازي، وكان رودولف أكثر حماسًا من شقيقه للنظام الحاكم والمتسبب في تحويل مصنع الأحذية إلى مصنع أسلحة لإنتاج الأسلحة المضادة للدبابات.
بوما نتاج الحرب العالمية الثانية
مع بداية نمو النظام الجديد في السلطة الألمانية، بدأت المشاكل والخلافات تدب بين أدولف ورودولف حين قرر الأخير الذهاب إلى الحرب العالمية الثانية، في حين فضل أدولف أن ينتج أحذية للجيش ويعزز مساعيه نحو الخروج من الحزب النازي مما ضاعف من فرص انفصاله عن شقيقه الأكبر.
تفاصيل سبب خلاف أدولف ورودولف غير واضحة في المصادر والكتب الألمانية. لكن مهما كان السبب سياسي أو تجاري، حدث المتوقع ووقعت القطيعة بينهما عندما عاد رودولف من الحرب إلى بلدة هيرتسوجيناروراخ.
لم يتحدث رودولف مع أدولف في أي شيء، وتم تقسيم الشركة مباشرة إلى كيانات منفصلة في عام 1947، وشق كل منهم طريقه بأسلوبه الخاص.
رودلوف أو رودي داسلر أسس شركة بوما وانطلق في العمل مع الشركات الأميركية، وذهب أدي أو أدولف لتأسيس شركة وشعار أديداس.
لماذا سُميت اديداس بهذا الاسم؟
أطلق أدولف مشروعه الخاص في عام 1951 والذي حمل اسم “أديداس” وهو مزيج من كونيته (أدي) ونصف اسم عائلته (داس).
كل ما كان يحتاجه بعد تسمية الشركة، هو شعار يحمل علامته التجارية، في وقت لم تكن الشركات تعتمد على الشعار في تسويق منتجاتها.
اتجه أدولف في البداية نحو شراء العلامة الرياضية الفنلندية (كارهو) مقابل ما يُعادل اليوم 1800 دولار وزجاجتين من الويسكي، ونجح في تغيير أفكار الناس وتحويل اهتمامهم إلى الأيقونات والشعارات الخاصة بالملابس والأحذية.
وبعد سنوات اختار تغيير الشعار يالاستغناء عن فكرة شركة كارهو الفنلندية، مستخدمًا اسمه في أعلى الشعار الجديد، الاسم الثنائي بشكل كامل كما هو موضح في الصورة أدناه، ووضع حذاء كرة قدم على جانبي الكاحل ثلاثة خطوط، وبالأسفل كلمة adidas بالأحرف الإنجليزية الصغيرة، بمَد حرفي الـ d الصغير ليحاصر الحذاء، وبخط أصغر كتب في أسفل الشعار كلمة ألمانية كانت: (Sportschuhe) أي “حذاء رياضي”، لتصبح الكلمة كاملة “أدولف داسلر، حذاء أديداس الرياضي”.
حاول أدولف التخلص من هذا التصميم المتشابك، وتبسيطه أكثر لتحقيق انتشار أكبر، لكن قبلها قام باستخدام حروف أديداس للترويج لبضائعه في بريطانيا والولايات المتحدة الأميركية، فقام باختصار حروف الشركة في كلمة إنجليزية تحمل عنوان:
All Day I Dream about Sport، وتعني بالعربية “كل يوم أحلم بالرياضة”.
واستخدمت أديداس الخط المألوف (ITC Avant Garde Gothic) في تصميم أول شعار حقيقي لها في السوق العالمية، وكان هذا النوع من الخطوط يجذب العيون ويعبر عن النظام المتبع داخل الشركة.
بوما تتحدى اديداس
على الجانب الآخر من البلدة، كان من الصعب على رودولف العمل في شركة أحذية خاصة به مع التطور الكبير لشركة أديداس، فحاول تقليد شقيقه بدمج اسمه في العلامة التجارية واسماها (رودا) لكن سرعان ما تخلى عن هذه الفكرة لصالح (بوما).
مع تقدم الشركتين، وصلت المنافسة العائلية بين الأخوان داسلر إلى ذروتها، وتجاورهما ووجودهما بالقرب من بعضهما البعض رفع من جودة المنتجات أكثر، وساعدهما على تشكيل علامات تجارية رئيسية في واحدة من المجالات الأكثر قدرة على الانتشار حول العالم.
كانت هناك بعض العواقب، حيث قام العمال من كلا المصنعين بالتنافس خارج مكان العمل، وفي كثير من الحالات لم يسمح لهم بالاختلاط مع بعضهم البعض، وهذا الصدع لم يغير وجه صناعة الأحذية فحسب، بل اخترق النسيج الاجتماعي للبلدة لسنوات عديدة.
وبحثت هذه الظاهرة بعمق من قبل كاتبة إنجليزية تدعى (باربرا سميت) في كتاب لها حمل عنوان “حروب الأحذية الرياضية”، وجاءت مقدمته نارية حول علاقة الأخوة الأعداء الذين أسسوا أديداس وبوما وتسببوا في تغيير نشاط الرياضة إلى الأبد.
توسع اديداس وشعار جديد
في عام 1971 رفع مالك شركة أديداس -أدولف- الرهان بالتوسع في الأسواق الترفيهية بتصميم ملابس شبابية (كاجوال) كجزء من المبادرة المتفرعة لنشاطه، وفي نفس السنة أطلق شعار اديداس الجديد، والذي كان عبارة عن ثلاثة أشكال متشابهة ومتغيرة في الحجم، ترمز إلى زهرة متفتحة أو إلى أشعة الشمس، وبالأسفل كلمة adidas بالأحرف الإنجليزية الصغيرة.
الشعار الجديد لأديداس كان يرمز إلى تطلعات الشركة نحو النمو في السوق، وبالفعل حقق هذا الشعار انتشارًا جيدًا في كل أنحاء العالم فيما يتعلق بملابس الفتيات ولاعبات كرة المضرب وبعض الملابس الشبابية، وبدأت تظهر منتجات رياضية لا علاقة لها بشركة أديداس تستخدم نفس الشكل، الأمر الذي رفع من مستوى انتشار العلامة التجارية في الشرق الأوسط وأفريقيا، ليصبح شعارها عرضة للتقليد في كل أنحاء العالم.
وبعد عامين فقط من وفاة أدولف (6 سبتمبر 1978)، أصدر الفريق الأميركي الغنائي الشهير Run DMC أغنية هيب هوب حملت عنوان My Adidas في عام 1980، كانت بمثابة أفضل هدية ممكنة لأدولف في نشر منتجات أديداس في الولايات المتحدة بين الشباب أكثر من أي وقت مضى، ويقول خبراء الاقتصاد أن تلك الأغنية أكسبت أديداس حصة سوقية أكبر بكثير وأمنت لها مكان كواحدة من أفضل العلامات التجارية للملابس الرياضية.
التغيير الأخير على شعار أديداس
بعدما أضحت أديداس اسمًا مألوفًا في السوق، سعت إلى إلقاء نظرة جديدة مختلفة في عام 1997 لإبراز خط منتجاتها العالي الجودة، ومعه تم تغيير شعار الشركة بتقطيع الأعمدة الثلاثة بشكل رأسي ثم منحها ميل بسيط بدرجة 30 درجة، مما يعطي انطباعًا عامًا عند رؤيته وكأن الشعار يرمز إلى الجبال والصعود من أدنى مستوى إلى مستوى أعلى فأعلى.
كانت هذه ميزة التصميم، حيث استهدف بوضع الجبال فوق كلمة adidas بالأحرف الصغيرة، إبراز حجم تفاني الشركة نحو مساعدة الناس على تحقيق المزيد من الأعمال المليئة بالتحديات براحة وأداء فائقين.
وكما هو الحال مع التصميمات السابقة، حظى الشعار بنجاح على نطاق واسع، وتم توحيده على جميع الملابس والإصدارت الجديدة لأديداس بالنسبة للأندية والمنتخبات بالإضافة إلى الكرة الجديدة لدوري أبطال أوروبا وكأس العالم.
ولا ننسى في فترة التسعينيات وبداية الألفية اتجهت أديداس نحو تصنيع مزيلات العرق والعطور بمختلف أنواعها والملابس الداخلية للرجال والنساء، ومع هذا التوسع انبثقت شركات أخرى في سوق الأدوات الرياضية برعاية من أديداس، مثل شركة ريبوك للملابس الرياضية، وشركة تايلور ماد أديداس جولف، وشركة روكبوت تايلوز ماد أديداس.
وفي عام 2005 أجرت الشركة تغييرًا جديدًا على الشعار بمساواة الخطوط الثلاثة بنفس الحجم والطول والارتفاع، ووضعهم بشكل عرضي أقصى اليسار بمحازاة كلمة adidas التي كتبت بالأحرف الإنجليزية الصغيرة كالعادة، ولا تزال الملابس الاحتياطية للأندية والمنتخبات تصدر بهذا الشعار، وتتمتع بنجاح في جميع الأسواق العالمية.
وعقب اصدار أديداس لشعارها الجديد بأربعة أعوام، حدثت الهدنة بينها وبين بوما، وتلاشت معظم الخلافات القديمة بتحولهما لمؤسسات عامة، ولم تعد لملكية الأسرة أي تأثير يُذكر في سبتمبر 2009.
وفي ذكرى يوم الأمم المتحدة العالمي للسلام، قرر المدير التنفيذي لشركة بوما “يوخين زيتزيت” الاتصال بالرئيس التنفيذي لشركة أديداس “هيربيت هاينير” للعب مباراة كرة قدم ودية، على أن يتألف الفريقين من موظفين الشركتين، بهدف إيصال رسالة التضامن والسلام.
ورغم اعلان الهدنة الرسمية بين أديداس وبوما، لكن هذا لم يمنع استمرارهما في منافسة بعضهما البعض في المجال المهني كما هو الحال دائمًا، وهذا مكنهما من دفع بعضهم البعض نحو الابتكار والنجاح، دون أحقاد أو ضغينة، وفي إطار رياضي من المنافسة الودية التي توحد أغراضهم الخاصة، في حين أننا ما زلنا على يقين بأن أديداس هي الأفضل وستستمر في إعادة ابتكار نفسها في كل اتجاه وليس في جوهر العلامة التجارية فقط (الشعار أو اللوجو).